أحزاب المعارضة بالمغرب بين الأزمة البنيوية والسياق السياسي المتقلب

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

مع اقتراب موعد السنة التشريعية، تتجه الأنظار مجددًا نحو أحزاب المعارضة في المغرب، ليس فقط بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، بل أيضًا في ظل تساؤلات عميقة حول قدرة هذه الأحزاب على لعب دورها الحيوي في التوازن السياسي، في ظل أغلبية حكومية تبدو منسجمة وتتحكم بمفاتيح القرار.

– معارضة في مأزق متعدد الأبعاد

رغم تزايد مؤشرات التذمر الشعبي من موجات غلاء الأسعار، خصوصًا في مجالات المحروقات والمواد الأساسية وتكاليف التعليم، إلا أن المعارضة المغربية لم تُترجم هذا الغضب إلى مبادرات سياسية ذات وزن أو إلى تحركات ميدانية قادرة على خلق توازن حقيقي مع الأغلبية.

تكشف الأوضاع الراهنة عن أزمة بنيوية تعاني منها المعارضة، تتجلى أساسًا في غياب الاستراتيجية، ضعف التنسيق بين مكوناتها، وتراجع قدرتها على ابتكار أساليب جديدة لممارسة الضغط، وبذلك، تفقد المعارضة أحد أهم أدوارها الدستورية، أي مساءلة الحكومة وإخضاعها للمحاسبة السياسية.

– الشلل التنسيقي وتصدع الجبهة الداخلية

محاولة المعارضة تمرير ملتمس رقابة ضد الحكومة، التي كان يُفترض أن تمثل لحظة مفصلية في مشهدها البرلماني، سقطت في الماء بسبب خلافات داخلية وتراشق إعلامي بين مكوناتها، هذا الفشل لا يعكس فقط ضعف الانسجام التنظيمي، بل يكشف كذلك عن خلل في الرؤية السياسية وانعدام مشروع جماعي موحد.

وبدل أن تكون مبادرة الرقابة لحظة تعبئة سياسية وتواصل فعال مع المواطنين، تحولت إلى مناسبة للانقسام والتباعد، في مشهد يعمّق صورة المعارضة كجسم سياسي مفكك، غير قادر حتى على التوافق حول أولويات مرحلية.

العجز عن التجاوب مع نبض الشارع

في سياق تراجع المشاركة السياسية وانكماش الحركات الاجتماعية المنظمة، تبدو المعارضة المغربية عاجزة عن كسر جدار الصمت الشعبي أو توظيف القنوات غير التقليدية، مثل النقابات والطلبة والحركات الفئوية، للتأثير في الرأي العام أو الضغط على الحكومة، وهو ما يحرمها من قاعدة اجتماعية فاعلة، كما يُبعدها أكثر عن هموم المواطن اليومية.

وإذا كان الماضي القريب قد شهد معارضات استطاعت إحداث فرق رغم ضعف التمثيلية العددية، فإن المعارضة الحالية لم تستطع بعد بناء خطاب قادر على استقطاب الشارع أو طرح بدائل ملموسة لمواجهة اختلالات التدبير العمومي.

– الإعلام العمومي ومسألة التوازن السياسي

من زاوية أخرى، تثير العلاقة غير المتوازنة مع الإعلام العمومي تساؤلات إضافية، فحفظ شكايات المعارضة بخصوص مضامين إعلامية تم اعتبارها مروجة للعمل الحكومي يعكس استمرار سيطرة السلطة التنفيذية على الفضاء السمعي البصري، ما يحد من قدرة المعارضة على إيصال مواقفها للجمهور الواسع ويزيد من تهميشها الرمزي.

– ديمقراطية معطوبة بلا معارضة فاعلة

الديمقراطية، في جوهرها، لا تكتمل دون معارضة قوية قادرة على مراقبة الحكومة، وطرح مشاريع بديلة، والتواصل مع الشارع، وفي الحالة المغربية، فإن غياب هذه المقومات لا يضعف المعارضة فحسب، بل يضعف كذلك البناء الديمقراطي ككل.

ففي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى فضاء سياسي مفتوح يتيح التعبير والتقويم، تبدو المؤسسات الحزبية المعارضة وكأنها خارج اللحظة التاريخية، عاجزة عن استيعاب التحولات المجتمعية أو قيادة موجات التغيير في إطار مؤسساتي منظم.

– نحو إعادة التفكير في قواعد اللعبة السياسية

إذا كان السياق الراهن يكرس اختلال التوازن بين الأغلبية والمعارضة، فإن الخروج من هذا المأزق يمر حتماً عبر إعادة هيكلة المشهد الحزبي، وتعديل النظام الانتخابي بما يضمن تمثيلية فعلية وفعالية سياسية، بالإضافة إلى تحفيز الفاعلين السياسيين على التجديد في الخطاب والعمل وأساليب التأطير.

فالتراكمات السلبية لا تؤدي فقط إلى تآكل ثقة المواطن، بل قد تفتح الباب أمام بدائل غير ديمقراطية، وهو ما ينبغي التنبه له قبل فوات الأوان.

ويرى عدد من متابعي المشهد الحزبي بالمملكة، أن المعارضة تعيش لحظة ضعف غير مسبوقة، ليس بسبب الأغلبية فقط، بل نتيجة إخفاق ذاتي في التفاعل مع التحولات، وغياب أدوات الفعل السياسي المؤثر، فيما أن إصلاح الحياة السياسية يستلزم معارضة يقظة ومبدعة، قادرة على تجاوز الدور الرمزي إلى التأثير الحقيقي في السياسات العمومية وصياغة البدائل.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى