أوهام السيادة في الجزائر.. الغاز لفرنسا والفقر للشعب

هبة بريس-يوسف أقضاض

يكشف استمرار تصدير الغاز إلى فرنسا وسط أزمة دبلوماسية خانقة حجم التناقضات والانفصام السياسي الذي يعانيه النظام الجزائري، والذي يواصل الانحدار في سياساته الخارجية المرتبكة وإدارته الكارثية للأوضاع الداخلية، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي من تدهور المعيشة، وتراجع الحريات، وانعدام الرؤية.

فعلى الرغم من بلوغ القطيعة مع فرنسا مرحلة طرد متبادل للدبلوماسيين وغياب أي حوار سياسي منذ ما يقارب السنة، تواصل الجزائر تزويد باريس بالغاز المسال، بل وتمنحها الحصة الأكبر في أوروبا بنسبة 26.8% من صادرات مايو الماضي، متقدمة على دول مثل إيطاليا وتركيا، حسب منصة “الطاقة” المتخصصة.

هذه الازدواجية الصارخة بين خطاب السلطة المتشدد ضد باريس وممارساتها الاقتصادية التي تصب في صالحها، ليست سوى انعكاس لفشل منهجي في بناء سياسات مستقلة ومتوازنة، حيث يغلب الطابع الدعائي على الواقع، وتُدار ملفات الدولة بعقلية الثأر والخوف لا بالحكمة والتخطيط.

في المقابل، عانت المبادلات التجارية والاستثمارات الفرنسية من جمود وتراجع ملحوظ بسبب الأزمة، مع تذمر واسع من المستثمرين الفرنسيين الذين واجهوا عراقيل بيروقراطية وإجراءات غير شفافة أجبرتهم على إعادة توجيه صادراتهم، ما زاد من التكاليف وقلّص فرص التعاون الاقتصادي.

ورغم محاولات النظام الترويج لفكرة “الاستقلال الاقتصادي” من فرنسا، فإن الواقع يثبت أن الجزائر لا تزال مرتهنة لعقود الغاز، دون أن تمتلك بديلاً تنموياً حقيقياً. فالتوجه نحو تنويع الشركاء التجاريين مع دول مثل الصين وتركيا وقطر ليس سوى محاولة هروب إلى الأمام، تفتقر لأسس استراتيجية وتُبنى غالباً على اعتبارات سياسية ظرفية.

شعب غاضب… ونظام منغلق
في الداخل، يتزامن هذا التخبط الخارجي مع تصاعد مشاعر الغضب والاحتقان الشعبي، حيث تستمر الأزمة الاقتصادية في سحق القدرة الشرائية للمواطن، وسط تفاقم البطالة وتراجع الخدمات الأساسية وغياب الأمل في التغيير. أما الحكومة، فبدلاً من الاستجابة للمطالب الشعبية، تواصل سياسة التعتيم والقمع وتكميم الأفواه، وهو ما يهدد بانفجار اجتماعي واسع النطاق.

ويعبر الجزائريون، عبر مواقع التواصل وندوات المعارضة في الخارج، عن استيائهم من نظام يتاجر بشعارات السيادة بينما يفتح الأبواب لفرنسا حين يتعلق الأمر بالغاز والدولارات، ويغلقها في وجه الكرامة والعدالة والديمقراطية.

كما سجل مراقبون انخفاضًا لافتًا في التمثيل الفرنسي في معرض “باتيماتيك” الأخير، مقابل بروز قوي لشركات من دول أخرى، ما يؤكد تغير التوازنات، لكنه لا يُخفي هشاشة المناخ الاستثماري في البلاد، الذي يهرب منه الجميع بسبب غياب الشفافية، والبيروقراطية الخانقة، واستمرار تغوّل الأجهزة الأمنية في الاقتصاد.

الجزائر اليوم ليست سوى مرآة لسلطة مفلسة فكرياً وسياسياً، تمارس ازدواجية في كل شيء: ترفع شعارات الوطنية وهي ترتمي في أحضان المصالح، تندد بالاستعمار وهي تغذّي خزائن مستعمر الأمس، تعد بالإصلاح وهي تغلق كل أبواب التغيير. ومادام هذا النظام قائماً، ستبقى الجزائر رهينة الأزمات، وسينمو الغضب الشعبي حتى لحظة الانفجار.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى