انتخابات 2026.. بين تجديد النخب واستمرار أعطاب المشهد الحزبي

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، يتجدد النقاش السياسي في المغرب حول عدد من القضايا الهيكلية التي تؤثر على جودة الممارسة الديمقراطية، ومستوى تمثيلية المواطنين داخل المؤسسات المنتخبة، وبينما تستعد الأحزاب لإعادة ترتيب أوراقها، تبرز إشكالات متجذرة تتعلق بمستوى التعليم لدى المرشحين، ومطلب المناصفة، وظاهرة الترحال السياسي، والعتبة الانتخابية، والتقطيع الانتخابي، وصولاً إلى المطالبة بتخليق الحياة السياسية عبر استبعاد ذوي السوابق والمشبوهين.

– استمرار تزكية الأميين ومحدودي التعليم: أزمة في التمثيلية

رغم كل ما يُقال عن تحديث المشهد السياسي، لا تزال الأحزاب تكرّس ممارسات قديمة، من أبرزها تزكية مرشحين أميين أو محدودي التعليم. وهو أمر يثير تساؤلات حول مدى جدية التزام الأحزاب بتأهيل نخبة قادرة على ممارسة العمل التشريعي بكفاءة. إذ لا يعقل أن يُناط بممثلين يفتقرون إلى الحد الأدنى من التأهيل العلمي مهمة صياغة القوانين ومراقبة العمل الحكومي. ويُجمع محللون أن اشتراط المؤهل الجامعي ليس ترفًا نخبويًا، بل ضرورة لرفع مستوى النقاش داخل البرلمان وضمان جودة التشريع.

– المناصفة: بين الشعارات والتطبيق الواقعي

رغم دسترة مبدأ المناصفة، لا تزال المشاركة النسائية في الحياة السياسية تعاني من أعطاب بنيوية. إذ يرى متتبعون أن المناصفة لا يمكن تحقيقها عبر فرض الحصص فقط، بل من خلال تمكين حقيقي للمرأة داخل الأحزاب، وضمان تكافؤ الفرص انطلاقًا من الاستحقاق والكفاءة، لا مجرد الانتماء الجنسي. ويُحذّر البعض من أن تتحول مطالب المناصفة، في حال غابت عنها المعايير الديمقراطية، إلى مجرد أدوات للتسويق السياسي دون أثر حقيقي في بنية القرار السياسي.

– الترحال السياسي: هشاشة الانتماء وتكريس الانتهازية

من بين الظواهر التي تشوه العملية السياسية بالمغرب، استمرار الترحال السياسي، حيث ينتقل منتخبون من حزب لآخر لأسباب ترتبط في الغالب بالمصالح الانتخابية أكثر من أي قناعة أيديولوجية. ورغم اعتماد قوانين تحد من هذه الظاهرة، إلا أن نتائجها بقيت محدودة. ويُنظر إلى هذه الظاهرة كعامل يُضعف صورة الأحزاب، ويُكرّس فقدان الثقة في النخبة السياسية.
العتبة الانتخابية: جدل سياسي بين تكريس التعددية وتعزيز الهيمنة
في سياق الاستعداد للانتخابات المقبلة، عاد النقاش حول العتبة الانتخابية ليطفو إلى السطح مجددًا، باعتبارها أداة تنظيمية تثير خلافًا حادًا بين الأحزاب. فبينما تسعى الأحزاب الكبرى إلى رفع نسبة العتبة للحد من تشتت الأصوات وضمان استقرار أكبر، ترى الأحزاب الصغرى في ذلك محاولة لإقصائها من الحضور المؤسساتي. وفي كل الأحوال، تبقى وزارة الداخلية هي الجهة التي تملك القرار النهائي في تحديد سقف العتبة، وفق تقديراتها للتوازنات السياسية.

– التقطيع الانتخابي: آلية تقنية أم وسيلة للتحكم السياسي؟

لا يقل موضوع التقطيع الانتخابي أهمية، إذ يُنظر إليه كأداة مؤثرة في رسم الخريطة السياسية، فرغم أن هذه العملية تُبنى في الظاهر على معايير ديمغرافية وجغرافية، إلا أن الرهانات السياسية غالبًا ما تلقي بظلالها على نتائجها. التحكم في حجم الدوائر وعددها يمكن أن يُستخدم لترجيح كفة حزب على حساب آخر، ما يثير جدلاً متكرراً حول مدى حيادية هذه العملية.
تخليق الحياة السياسية: استبعاد “المشبوهين” ضرورة ديمقراطية
أمام تزايد الوعي الشعبي بأهمية نظافة اليد في الممارسة السياسية، تتصاعد المطالب بإقصاء المرشحين ذوي السوابق أو من تحوم حولهم شبهات فساد. وفي هذا السياق، يشير محللون إلى ضرورة اعتماد مقاربة صارمة تقوم على تحرٍّ أمني دقيق، وتربط منح التزكيات بمعايير أخلاقية واضحة، بل وحتى ربط الدعم العمومي للأحزاب بمستوى نزاهة مرشحيها.

– تجديد النخب مفتاح لإصلاح المشهد الحزبي

يبدو أن المدخل الأساس لتأهيل الحياة السياسية في المغرب لا يمر فقط عبر إصلاح القوانين الانتخابية، بل عبر تجديد النخب السياسية وإعادة الاعتبار للكفاءة، والنزاهة، والانتماء الحقيقي للبرامج لا للأشخاص أو المصالح. وإلا، فإن إعادة إنتاج نفس الممارسات ستؤدي حتمًا إلى نفس النتائج: ضعف الثقة، وعزوف متزايد، ومؤسسات منتخبة لا تعكس آمال المواطنين في التغيير.

ومع اقتراب انتخابات 2026، يظل الرهان الأساسي هو القدرة على الانتقال من منطق تدبير اللحظة الانتخابية، إلى منطق بناء ديمقراطية تراكمية تُعلي من شأن الكفاءة والمحاسبة، وتكرّس فعلاً لا قولاً قيم التعدد والتمثيلية والمشاركة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى