
فضيحة تهز الجزائر.. تسريبات امتحانات البكالوريا تغزو شبكات التواصل رغم قطع الإنترنت
هبة بريس
في مشهد بات يتكرر سنويًا، أعاد النظام العسكري الجزائري استخدام أسلوبه المعتاد لمواجهة الغش في امتحانات البكالوريا: عزل البلاد رقمياً.
قطع الأنترنت عن الجزائريين
وبدل ابتكار حلول تربوية فعالة أو إصلاح قطاع التعليم، اختار مجددًا قطع الإنترنت عن الجزائريين طيلة أيام الامتحانات، وكأن الخطر الأكبر على النزاهة يأتي فقط من شبكات “الويفي”.
لمدة خمسة أيام، وجد المواطنون أنفسهم في عزلة تامة، فقط لأن السلطة تعتقد أن الحجب والتعتيم الرقمي وسيلتان كافيتان لمحاربة الغش، بينما الوقائع أثبتت العكس مرة أخرى.
فبالرغم من انقطاع شبكة الأنترنت، تواصلت عمليات تسريب المواضيع بوسائل أخرى، من بينها أجهزة بلوتوث متطورة، واتصالات خفية، ومجموعات دعم خارجي تنشط كأنها “خلية نحل” موازية خارج أسوار الامتحانات.
من شرق البلاد إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، انهالت البلاغات الأمنية حول توقيفات ومحجوزات وأجهزة تُستخدم في الغش.
في البليدة، تم ضبط تلميذة تبعث موضوع الفلسفة لشقيقتها عبر البلوتوث. وفي عين الدفلى، وأخرج تلميذان من قاعة الامتحان نحو السجن بسبب استخدام وسائل اتصال غير مرخصة.
نشر أجوبة الامتحانات رغم الحجب الشامل
أما في الأغواط، فقد وصلت حصيلة المتهمين بالغش إلى خمسة عشر شخصًا حبسا نافذا، بينهم من نشر الأجوبة علنًا أثناء الاختبارات، رغم الحجب الشامل للإنترنت.
نفس النتيجة كل عام: غش متواصل، فضائح تتكرر، وسلطات عاجزة عن ضبط قاعة الامتحان، لكنها لا تتردد في فرض طوق إلكتروني على أمة بأكملها.
المثير للسخرية أن وزير التربية خرج ليصرح بأن “قطع الإنترنت كان محدودًا ومحليًا”، بينما ملايين الجزائريين عانوا من توقف خدماتهم، وتعطلت أعمالهم، وكأن البلاد دخلت فعلاً في “حالة طوارئ رقمية”. وهل يعقل أن تتوقف حياة أمة، فقط لأن السلطة فشلت في تأمين ورقة الامتحان؟
ولأن العجز لا يأتي وحيدًا، لجأ النظام إلى ورقته الثانية: الترهيب والعقوبات. تهديدات بالسجن تصل إلى 15 سنة وغرامات ثقيلة، في محاولة لإقناع الرأي العام بأن الدولة صارمة ضد الغش. لكن واقع الحال يشي بالعكس: التسيب مستمر، والابتكار في التحايل يتقدم أشواطًا على المقاربات المتقادمة للدولة الجزائرية.
المفارقة المؤلمة أن النظام، بدل أن يعترف بعجزه، يستمر في بيع الوهم. ووعد تبون في 2020 بعدم قطع الإنترنت مجددًا أثناء الامتحانات، لكنه تراجع عن وعوده دون تفسير. والنتيجة: نفس السيناريو، نفس الحجب، ونفس الاستغباء العلني للمواطنين.
النجاح بالغش
فهل المشكلة في تلميذ يحاول النجاح بالغش، أم في منظومة تعليمية تتآكل، تديرها سلطة تمتهن التزوير منذ عقود؟
هل نلوم شابًا مراهقًا على استعمال بلوتوث، في بلد يُزوّر فيه المسؤولون الانتخابات، ويُنتج فيه الإعلام تقارير مفبركة، وتُوزع فيه المناصب حسب الولاء؟
الغش الحقيقي في الجزائر لا يُمارس داخل الأقسام فقط، بل في قلب النظام نفسه. نظام يتستر على فشله بقطع الإنترنت، ويخنق الحريات الرقمية، بينما يعجز حتى عن منع تسريب بسيط في موضوع امتحان.
فمن يحكم بعقلية أمنية، ويرى في المواطن خطرًا محتملاً، لن يبني نظامًا تربويًا محترمًا. ومن يخاف من الإنترنت، لن يواجه الفساد، ولا الغش، ولا الانهيار الذي يعيشه التعليم.
وفي النهاية، يبقى شعار الدولة كما هو: “نحن ضد الغش… إلا إذا كنا من يمارسه.”
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X