مبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.. آفاق التنمية والتحديات

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

بعد إستقبال جلالة الملك محمد السادس، مؤخرا، لوزراء خارجية ثلاث دول ” مالي والنيجر وبوركينافاسو ” في مبادرة تعزز دور المملكة في حضورها الأفريقي البناء والمتجدد من أجل النهوض بتنمية بلدانها .

محللون اعتبروا خطوة الدول الثلاث مبادرة ولوجهم إلى المحيط الأطلسي عبر” بوابة المغرب” خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل ملامح التجارة والتنمية في غرب ووسط إفريقيا.

فالدول الثلاث المعنية في هذه المبادرة”النيجر، مالي، وبوركينا فاسو” ورغم كونها غير ساحلية، إلا أن لديها تطلعات للولوج إلى البحر الأطلسي الذي يمثل شرياناً حيوياً في حركة التجارة العالمية، لكن هذه المبادرة لا تقتصر فقط على تعزيز الروابط التجارية، بل تمتد لتؤثر في الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، حيث يتعين أن تواكبها بنية تحتية متطورة وتعاون إقليمي ودولي مستدام.

– الجانب السياسي

تمثل هذه المبادرة تحركاً سياسياً ذكيًا من دول الساحل التي تسعى للتغلب على عوائق جغرافية وتحقيق طموحاتها في تعزيز حضورها الإقليمي والدولي،رغم أنها تتطلب توافقًا واسعًا على مستوى الحكومات الإقليمية، إلا أن هناك إشارات إيجابية من الدول المعنية للبدء في إنشاء ممرات تجارية جديدة، وهو ما يعكس تحولا في الدبلوماسية الإفريقية التي تسعى إلى تعزيز التعاون البيني، والذي يشمل ذلك التنسيق بين الدول المعنية من خلال إنشاء شبكات من البنية التحتية مثل خطوط السكك الحديدية، الطرق البرية، والموانئ الحديثة.

لكن هذا التوجه لا يخلو من التحديات السياسية، فالمبادرة تتطلب استقرارًا سياسيًا داخليًا في الدول المشاركة، والتي تشهد بعضها صراعات أمنية خطيرة، على سبيل المثال، مالي وبوركينا فاسو تعانيان من تهديدات الجماعات الإرهابية في مناطق واسعة من أراضيها، وهو ما يهدد قدرة الدول على تنفيذ مشاريع ضخمة مثل هذه المبادرة.

– الجانب الاقتصادي

من الناحية الاقتصادية، يعد الوصول إلى المحيط الأطلسي الذي وضعه جلالة الملك محمد السادس ، عبر ميناء الداخلة ، فرصة ذهبية لدول الساحل لتوسيع آفاقها التجارية، وبالنظر إلى تنوع الموارد الطبيعية التي تمتلكها هذه الدول، مثل المعادن في النيجر والموارد الزراعية في بوركينا فاسو، فإن تحسين الوصول إلى ميناء الداخلة كأكبر الموانئ على الأطلسي ، يمكن أن يفتح أسواقًا جديدة لتصدير هذه الموارد.

فالمحيط الأطلسي يمكن أن يصبح محورًا رئيسيًا للتجارة العالمية، خاصة مع التوسع في العلاقات التجارية بين أفريقيا وأوروبا وأمريكا.

المبادرة ستساهم أيضًا في تعزيز مشروعات البنية التحتية على المدى الطويل، حيث ستتطلب عمليات بناء طرق السكك الحديدية إنفاقًا كبيرًا على مستوى الاستثمار، وهذا يمكن أن يجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يوفر فرص عمل ويساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي، كما ستستفيد الدول المعنية من عمليات الشحن البحري الحديثة التي ستخفض التكاليف وتزيد من كفاءة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية والعالم.

– الجانب الاجتماعي

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن للمبادرة تأثيرات عميقة يمكن أن تغير من واقع الحياة اليومية للمواطنين في دول الساحل. في ظل انتشار الفقر في هذه البلدان، فإن إنشاء مشاريع جديدة للبنية التحتية ستوفر آلاف فرص العمل، سواء في البناء، النقل، أو الخدمات اللوجستية، ستعزز هذه المبادرة من التنمية المحلية، وتساهم في تحسين المستوى المعيشي للسكان في المناطق الريفية التي كانت سابقًا معزولة عن الأسواق الدولية.

لكن التأثيرات الاجتماعية قد تكون معقدة، حيث أن تزايد المشروعات التنموية قد يثير مشكلات اجتماعية مثل النزاعات حول استخدام الأراضي، أو تشجيع الهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى، وهو ما يضع ضغطًا إضافيًا على الموارد المحلية والخدمات العامة.

– التحديات اللوجستية والأمنية

إحدى أبرز العقبات التي تواجه هذه المبادرة هي مسألة الأمن. منطقة الساحل تعد من أكثر المناطق هشاشة في إفريقيا، إذ يعاني العديد من الدول من عمليات إرهابية تهدد استقرارها، مما قد يعوق تدفق الاستثمارات ويزيد من تكلفة تنفيذ المشروعات، علاوة على ذلك، فإن بناء ممرات تجارية بين هذه الدول والمحيط الأطلسي يتطلب التنسيق الأمني بين الدول، بالإضافة إلى التعامل مع التهديدات الأمنية العابرة للحدود.

– التعاون الإقليمي والدولي

إن نجاح هذه المبادرة لا يعتمد فقط على التزام الدول الثلاث، بل يتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا من أجل تحقيق أهدافه. ومن المهم أن تشمل هذه المبادرة دعمًا من المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، بالإضافة إلى الشريك الاقليمي الأساسي وهو المغرب بصفته دولة ذات خبرة في بناء الموانئ البحرية، أن يلعب دورًا محوريًا في تدريب الكوادر المحلية وتقديم الخبرات اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع البنيوية

إن مبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي تمثل أملًا واعدًا لدول النيجر، مالي، وبوركينا فاسو في تغيير واقعها الاقتصادي والاجتماعي، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الدول، فإن المشروع يمكن أن يكون خطوة هامة نحو تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتوسيع آفاق التجارة الإقليمية والدولية، ولتحقيق هذا النجاح، سيكون التعاون السياسي والأمني والإقليمي هو المفتاح الأساسي لضمان التنفيذ الفعّال واستدامة هذه المبادرة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى