
محمد زفزاف.. حين كتب الحياة من الهامش وسكن وجدان الأدب المغربي
هبة بريس – الشاهد صابر صحفي متدرب
تحل الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل الكاتب المغربي محمد زفزاف (1945 – 2001)، أحد أبرز الأسماء التي كتبت من الهامش، وتغلغلت في قاع المجتمع لتنتج أدبًا يلامس الحقيقة المجردة. وُلد في قرية نائية بسوق الأربعاء، من أسرة بسيطة، بعيدًا عن الأضواء ومراكز السلطة والنفوذ، لكنه شق طريقه نحو المشهد الثقافي المغربي بثقة الضعفاء وعناد الحالمين.
لم تكن حياة زفزاف عادية، فقد عاش طفولة قاسية بعد وفاة والده، وانتقل إلى القنيطرة حيث بدأ مسيرته في التدريس. ثم قاده شغفه بالأدب إلى الدار البيضاء، حيث اختار العزلة في شقة متواضعة بزنقة “ليستيريل”، بعيدًا عن صخب المدينة، ملتفًا بالكوفية الفلسطينية كرمز دائم للانحياز إلى القضايا الإنسانية.
زفزاف لم يكن نجمًا في صالات الأدب الرسمي، لكنه كان محطة عبور لكثير من المثقفين والسياسيين الذين قصدوا بيته المتواضع، فيما ظل هو أقرب إلى البسطاء من أبناء الحي، يلاعب الأطفال ويمنحهم الحلوى والنصح، في صورة إنسانية نادرة قلّ نظيرها.
سافر في كل صيف إلى الشمال، حيث كانت طنجة وشفشاون وأصيلة بمثابة ملاذ روحي له، لا ينسى مسقط رأسه في سوق الأربعاء، حيث يعاود زيارة الأمكنة والوجوه التي شكّلت وعيه الأول، ويراها تتجسد في رواياته وقصصه، مثل “أطفال بلد الخير”.
كان زفزاف زاهدًا في المجد، ومخلصًا للحرف، لا يلهث وراء الجوائز أو الشهرة. ومع ذلك، حظي بتقدير واسع، حتى لقّبه محمد شكري بـ”الكاتب الكبير”، فيما رآه آخرون “دوستويفسكي المغرب” و”شاعر الرواية المغربية”، نظرًا للغته الشفافة والعميقة في آن.
أعماله، وعلى رأسها رواية “المرأة والوردة”، لاقت صدى واسعًا، وتمّت ترجمتها إلى لغات متعددة، واعتمدت في برامج جامعية عالمية. كما حصلت رواية “بيضة الديك” على جائزة الأطلس سنة 1998، وحظيت بإشادة ملك إسبانيا إثر ترجمتها.
وعند إصابته بسرطان الفك، لم تغفل الدولة عن دعمه، فتكفّل القصر الملكي بعلاجه داخل المغرب وخارجه، حيث تحوّلت غرفته في مستشفى “السالبيتريير” بباريس إلى وجهة لزوار من مجالات متعددة. لكنه، في لحظة الفجر يوم 13 يوليوز 2001، سلّم الروح بعد رحلة من المعاناة والصمت.
ورغم تكريم اسمه في الدار البيضاء، من خلال مركب ثقافي ومحطة ترامواي، ظل مسقط رأسه يعاني من تجاهل رسمي. فشلت كل المساعي لإطلاق اسمه على مرفق ثقافي هناك، رغم مبادرات جمعوية، وجائزة تحمل اسمه في مهرجان أصيلة. لا يزال غياب مؤسسة باسمه وصمة في جبين الذاكرة الثقافية، فيما يبقى إرثه الأدبي شاهدًا على رجل عاش كبيرًا ومات بهدوء، كأنه يقول: “افعلوا الخير بصمت… فالخلود لا يصنعه الصخب”.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X