
«معبر زوج أبطال» لعبير عزيم.. حين يصبح الحُب جسرًا بين شعبين
هبة بريس – أحمد المساعد
في روايتها «معبر زوج أبطال»، تختار الروائية عبير عزيم أن تكتب عن الجرح النازف في العلاقات المغربية الجزائرية، لا بل تتجرأ على تخيّل ضمادة لهذا الجرح، ضمادة من كلماتٍ وأحلام، قوامها الحُب، ووسيطها الإعلام والتعليم.
الرواية تبدأ من نقطة رمزية بالغة الدلالة: معبر «زوج بغال» الحدودي، الذي لطالما كان شاهدًا على الانقسام، لكنه هنا يتحوّل إلى نقطة انطلاق لحكايةٍ تحلم بالوصل لا الفصل. من هذا المعبر تنطلق قصة يوسف المغربي، الطالب في معهد الصحافة، الذي يحمل حلمًا بسيطًا: نفض الغبار عن العلاقة الملتبسة بين شعبي البلدين. وسرعان ما تلتحق به هدى الجزائرية، المعلمة التي تؤمن بأن غرس الوعي يبدأ من الصفوف الأولى.
هكذا، ترسي عبير عزيم معادلتها البسيطة والعميقة في آن: الإعلام والتعليم هما الجسر الحقيقي لترسيخ مفهوم “خاوة خاوة”، بعيدًا عن شوائب السياسة ومخلفات الصراعات.
الرواية لا تكتفي بسرد حكاية حب بين شاب مغربي وفتاة جزائرية، بل تبني شبكة سردية متقنة، تتقاطع فيها مصائر شخصيات متعددة: يوسف، معتز، هدى، الأب، الجد، العمة… وكلها ترتبط بجسر واحد: جسر الحكاية الكبرى بين المغرب والجزائر. ورغم أن السرد يتنقل من شخصية إلى أخرى، فإن القارئ لا يشعر بالتشظي، بل ينجذب إلى خيط خفي يشد الرواية بأكملها، وهو رحلة يوسف من البحث عن والده، إلى حمل قضية وطنية تتجاوز الذاتي نحو الجمعي.
*”هل تظن أن الكلمات قادرة على هدم جدار؟”*
هكذا تتساءل هدى، ويظل هذا السؤال معلقًا كخاتمة مفتوحة، كجرس يدق في أذهاننا. ولعل عبير عزيم تحاول أن تقنعنا، بهدوء وبراعة، أن الكلمات هي المعول الذي قد يهدم جدران العداء والتفرقة، تمامًا كما أن الحُب قد يُرَمّم الخراب الذي تتركه السياسة.
ومما يميز الرواية أيضًا الحضور القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ لا تعود الحدود الجغرافية حاجزًا أمام التلاقي. في العالم الرقمي، تنتشر أفكار يوسف، وتصل إلى قلوب في كلا البلدين، مؤيدة كانت أو معارضة. وتبدأ الحكاية… لا على الأرض، بل في الأرواح، عبر الأفكار والمبادرات التي تُشبه الرسائل في زجاجات، يرسلها كل طرف إلى الآخر، على أمل الوصول.
«زوج أبطال» ليست رواية حُب فقط، بل هي رواية أمل. إنها دعوة ناعمة للخروج من التشاؤم واليأس اللذين تسببت بهما التوترات السياسية، نحو أفق مختلف، أفق إنساني، حيث يمكن لحكاية بسيطة أن تُنبت حلمًا كبيرًا. ورغم أن الحلم يبدو حالمًا وربما مستحيلًا، إلا أن الرواية تؤكد لنا أن الأدب يستطيع أن يسبق السياسة في بناء الجسور.
لغة الرواية سلسة، بعيدة عن الحشو، تتقدم بثقة من حدث إلى آخر، وتنقل القارئ بخفة من شخصية إلى أخرى، دون أن تفقد توازنها أو وضوح رسالتها. واللافت أن الحكاية تبدأ من سؤال شخصي: من هو والدي؟ لكنها تنتهي بسؤال وطني عابر للحدود: لماذا فُرّق بيننا، نحن أبناء الأرض الواحدة؟
في النهاية، نقف مع يوسف وهدى وعبير عزيم أمام الجدار الفاصل، نحمل في يدنا الكلمات، وفي القلب الحُب، ونسأل: “هل تظن أن الكلمات قادرة على هدم جدار؟”
ربما… وربما نعرف الإجابة ذات يوم.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X