8 غشت القادم… شرارة حراك جديد سيهز نظام العسكر في الجزائر

هبة بريس

تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة حالة من الغليان الشعبي المتصاعد على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعالت الأصوات المطالبة بعودة الحراك الشعبي في موعد تم تحديده ليوم 8 غشت، من خلال مسيرات واسعة من المنتظر أن تنطلق عقب صلاة الجمعة وتمتد لتشمل مختلف ولايات البلاد.

مواجهة مباشرة للنظام العسكري

ولم يعد هذا الغضب الشعبي مجرّد همسات عابرة، بل تحوّل إلى مطالب صريحة بمواجهة مباشرة للنظام العسكري، في ظل اتساع رقعة السخط الشعبي جراء سياسات الإفقار والتهميش التي أنهكت الجزائريين، في بلد يُفترض أنه غني بالثروات الكفيلة بضمان حياة كريمة لمواطنيه. لكن الواقع يعكس مأساة يومية: طوابير من أجل أبسط المواد الغذائية، بطالة مستشرية، خدمات عمومية متدهورة، وهيمنة كاملة للجنرالات على مفاصل الدولة والمجتمع.

الشرارة التي أججت هذا الغضب لا تقتصر فقط على تردّي الوضع الاقتصادي، بل تعود أيضًا إلى ما وُصف بالاستخفاف بمشاعر الجزائريين، بعدما قرّر الرئيس عبد المجيد تبون صرف مليارات الدولارات كمساعدات خارجية للبنان ودول إفريقية، إلى جانب استمرار تمويل جبهة البوليساريو، في وقت يعيش فيه ملايين الجزائريين تحت خط الفقر، محرومين حتى من وعود طال انتظارها.

هذا التناقض الصارخ بين بذخ السلطة وبؤس المواطنين عمّق الفجوة، وحرّك دعوات واسعة تطالب بإسقاط نظام الكابرانات الذي يُصرّ على تجاهل أولويات الداخل من أجل مغامرات خارجية مكلفة.

في المقابل، تنعم أقلية محظوظة داخل دوائر النظام بثروات هائلة جُمعت في صمت من ريع الصفقات والامتيازات، بينما ترزح الأغلبية في أتون المعاناة.

تراكم الامتيازات على حساب الملايين

وتحول النظام إلى آلية مغلقة تُراكم الامتيازات لفائدة قلة، على حساب الملايين من المواطنين. لذلك، فإن التحركات الشعبية المرتقبة لم تعد مجرّد احتجاجات موسمية، بل تحمل نَفَسًا ثوريًا قد يقلب المعادلات السياسية في البلاد.

الملفت في هذه الدينامية الجديدة هو ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى الشارع الجزائري، حيث لم تعد المطالب تقتصر على تحسينات سطحية أو إصلاحات محدودة، بل تجاوزتها إلى مطالب جذرية تدعو إلى تفكيك المنظومة العسكرية التي يُحمّلها المواطنون مسؤولية الفساد والاستبداد، واعتبارها العائق الأساسي أمام قيام دولة مدنية ديمقراطية. لأول مرة منذ سنوات، تتوحّد الطبقات الشعبية والنخب الفكرية وشرائح من الشباب المهمّش خلف مطلب واضح: رحيل حكم العسكر.

ولا يزيد الأوضاع إلا تفاقمًا ذلك الحصار الإقليمي الذي أوقع فيه النظام الجزائري البلاد، نتيجة سياساته العدائية تجاه أغلب دول الجوار. فالمحتجون يرون أن صانعي القرار في الجزائر زجّوا بالدولة في صراعات غير مجدية مع المغرب وتونس وليبيا، بل ومع شركاء أوروبيين تقليديين، ما جعل الجزائر في عزلة دبلوماسية خانقة، بلا حلفاء حقيقيين ولا نفوذ يُذكر في محيطها الإقليمي.

وفي وقت كانت فيه البلاد بحاجة إلى علاقات تعاون للخروج من أزماتها، فضّل نظام العسكر خيار التصعيد والمؤامرات، ما انعكس سلبًا على صورة الجزائر عالميًا وأثقل كاهل الشعب بأعباء إضافية.

بالنسبة لغالبية المحتجين، فإن هذه السياسات الخارجية المتهورة لا تقل كارثية عن ممارسات الفساد الداخلي، وتؤكد أن النظام لم يعد يمثل مصالح الدولة، بل تحوّل إلى عبء ثقيل يُهدد أمن البلاد ومستقبلها.

 

 



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى