كيف أصبح انفصاليو الداخل يستغلون المقابر لترويج أطروحة الكيان الوهمي؟

هبة بريس- عبد اللطيف بركة

في خطوة تُثير الكثير من الأسئلة حول حدود استغلال القضايا الإنسانية وتوظيفها في معارك سياسية مقيتة، شهدت مقبرة بمنطقة القصابي بجهة كلميم واد نون، مؤخرا، واقعة مؤسفة، عندما حوّل بعض المتعاطفين مع الأطروحة الانفصالية مراسيم جنازة إلى منبر لرفع شعارات الكيان الوهمي وترديد هتافات معادية للوحدة الترابية للمملكة.

هذا السلوك، الذي وُصف من طرف شيوخ وأعيان القبيلة بالمعزول والمرفوض، يعكس تحوّلًا خطيرًا في أساليب انفصاليي الداخل، الذين لم يعودوا يكتفون بخلق البلبلة في الفضاءات العامة أو من خلال المنصات الافتراضية، بل باتوا يتعمدون التغلغل حتى في أقدس اللحظات الإنسانية، وهي لحظات الوداع والدفن، حيث يُفترض أن يسود الصمت والخشوع.

– انتهاك لحرمة الموتى وتوظيف سياسي للمآتم

ما وقع في مقبرة القصابي لا يمكن قراءته إلا باعتباره تصعيدًا جديدًا في مسار الاستفزازات التي تهدف إلى خلق الفتنة داخل النسيج المجتمعي الصحراوي، إذ لم يتورع هؤلاء “الانفصاليون الجدد” عن استغلال جنازة أحد الأشخاص، لتحويل الحدث من مناسبة إنسانية إلى مشهد سياسي يحمل رسائل عدائية للدولة، ويسيء للمكان والزمان والإنسان.

التنديد الصارم الذي عبّرت عنه القبيلة، بما فيها شيوخها وأعيانها، يُعبّر عن الرفض الجماعي لهذا السلوك الدخيل، الذي لا يمثل قيم المنطقة ولا تقاليدها ولا تاريخها الوطني، والذي ينأى به الجميع عن خط الوطنية والتلاحم الذي لطالما ميز أبناء القبائل الصحراوية.

– تغلغل الخطاب الانفصالي: الواقع والتحدي

الخطير في مثل هذه الممارسات، ليس فقط أنها تمس بحرمة الموتى وتنتهك حرمة المقابر، بل تكشف عن انتقال استراتيجية الانفصال من المواجهة المباشرة إلى التسلل عبر الرموز والمناسبات ذات الطابع الإنساني، إنه أسلوب خبيث يسعى إلى دسّ خطاب الفرقة في لحظات الألم، أملا في استغلال المشاعر والانفعالات للترويج لمغالطات سياسية لا تجد لها صدى إلا في عقول محدودة.

هذا التحول يؤشر على أن جبهة “البوليساريو”، التي فشلت في كسب المعركة الميدانية والدبلوماسية، تحاول الآن عبر بعض المتعاطفين في الداخل، التموقع داخل المجتمع المحلي، لا عبر الإقناع أو النضال، بل عبر الوقاحة واستغلال الموت.

– وطنية القبيلة خط أحمر

رغم المحاولة الفجة التي شهدتها مقبرة القصابي، إلا أن رد الفعل الجماعي والحازم من أبناء المنطقة، أكد مجددا أن الوطنية ليست شعارا، بل إرثا تتوارثه الأجيال، موقف أعيان وشيوخ القبيلة لم يقتصر على التنديد، بل شمل التأكيد على الدعم الكامل للثوابت الوطنية والانخراط في الدفاع عنها ضد كل محاولات التشويش والانفصال.

القبيلة، التي لها باع طويل في الدفاع عن وحدة الوطن، لم ولن تقبل بأن يتم استغلال اسمها أو أبنائها أو جنائزها لتمرير رسائل دخيلة، ووعي الساكنة المحليّة بخطورة هذه المناورات يضع انفصاليي الداخل في عزلة متزايدة.

– متى يتوقف العبث؟

أن تصل الأطروحة الانفصالية إلى المقابر، فذلك ليس فقط استخفافًا بحرمة الموتى، بل إعلان عن إفلاس أخلاقي وسياسي كامل، وهو ما يطرح سؤالاً جوهريًا: إلى أي مدى يمكن السماح بتوظيف المناسبات الإنسانية لخدمة أجندات تخريبية؟.

المطلوب اليوم، ليس فقط رصد مثل هذه السلوكات، بل تحليل خلفياتها، والتحرك إعلاميًا ومجتمعيًا وأمنيًا للحد من تمدد هذا الخطاب المشوَّه، الذي لا يخدم سوى مرتزقة الانفصال ويضرب في العمق تماسك الوطن.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى